جميعنا نلبسُ الكمّاماتِ اليوم؛ ولكن لماذا يلبسُها اليابانيّون منذ 100 عام؟

في عام 1918م. تفشّت الإنفلونزا الإسبانية في العالم، مخلّفةً وراءها بَين 20 إلى 100 مليون وفاة تقريبًا، والإنفلونزا الإسبانية هي حالة فيروسية تنفّسية تنتقل بالرذاذ وأيضا تنتقل بالعُطاس كما ينتقل كورونا كوفيد-19، وكما كورونا ميرس، وغيرها من المتلازمات التنفسية، فبَات لبس الكمّامة لِزامًا للمساهمة في الوقاية من الإصابة بالإنفلونزا.

 

مُمرضات يحملن نقّالات لمصابي الإنفلونزا الإسبانية في مدينة شيكاغو الأمريكية

 

وكانت هذه بداية “ثقافة الكمّامات” في اليابان، ولكن بعد هذه الحادثة بخمسِ سنوات أي في عام 1923م. ضرب طوكيو زِلزالٌ دمّر 600 ألف وِحدة سكنية لتغطّيَ سماء طوكيو سحابة تلوّث ضخمة جرّاء هذا الدمار، ما أجبر اليابانيين على العودة للِبس الكمّامة مجددًا، ولم يكن هذا التلوّث الوحيد، ففي خمسينات القرن الماضي أعلنت الحكومة اليابانية عن تأسيس مصانع خاصّة ومناطِق صناعية؛ لدعم الاقتصاد المنهار آنذاك، فتلبّدت السماء مجددًا بسُحب التلوّث من المصانع وعادت الكمّامات مجددًا لوجوه اليابانيين.

 

فكما رأينا للكمّامة تاريخ قديم ومتكرر لدى اليابانيين، مما سهّل أي وجود مُحتمل لها في يومهم العادي، ولكن تحديدًا.. لماذا لبسها اليابانيّون قبل كورونا بعقود؟! حسنًا، لهذا أسباب عديدة، أهمها الآتي.. يجِد الباحث في الثقافة اليابانية اهتمامًا بِقيم الإيثار وتقدير الغَير، ويتمظهَر هذا الاهتمام في أحد أسباب لبس الكمّامة، كيف؟! مُعظم من يلبس الكمّامة في اليابان يكون مصابًا بحمّىً أو زُكام، وهو عارضٌ موسمي عادي، ولكن حمايةً للآخرين من العدوى – بهذا المرض البسيط – يلبس الكمّامة، وهنالِك من يلبسُ الكمامة وهو ليسَ بمصاب، ولكن تحرّزًا من إصابة مُحتملة – بالزكام -، وفي فصل الربيع – خصوصًا – يزداد لابسو الكمّامات بسبب تطايرِ أوراق شجر الساكورا، وهي مسبّبٌ رئيس للحساسية الأنفية لدى البعض.

 

أشجار الساكورا تزيّن حدائق اليابان

 

مؤخرًا وفي عصر ما بعد الحداثة لوحِظ مسبّب جديد للبس الكمّامة في اليابان، وأعني تحديدًا “الفردانية”، أيّ وباختصار؛ “لستُ مصابًا بزُكام، ولا أخشى الإصابة به، ألبس الكمامة فقط لأني لا أريد التعرّف، ولا التحدّث مع أحد!” أجل تمامًا كما قرأتَ للتو!، يلبسها لإخبار الغرباء بأنه لا يودّ الحديث معهم وأنه يودّ الانعزال عمّن حوله في وسائل النقل العامّ وغيرها، أو يلبسها لإبقاء هويته مجهولة في الأماكن العامة لذات السبب (الفردانية).

 

إذا كانت “ثقافة الكمّامات” أمرًا شائعًا في اليابان فكيف هو حال سوق الكمّامات الياباني؟، بدايةً يصل متوسط سعر الكمّامة الواحدة ريال ونصف الريال السعودي (50 سنت أمريكي)، ويوفّر السوق الياباني 3.95 مليار كمّامة سنويًا، 85% منها تقريبًا مستورد، أما عن ربحيّة هذا السوق ففي عام 2009م. بلغت ذروة ربحيّته 1.1 مليار ريال سعودي (316 مليون دولار)،

على الرغم من “ثقافة الكمّامات” فقد عانتِ اليابان – كغيرها من الدول – من نقصٍ حادٍ في الكمّامات تحت وطأةِ لكمات الجائحة.

 

اليابان في زمن الكورونا

 

تظلّ “ثقافة الكمّامات” وليدةً يابانية لم تنتشر خارج بلاد الشمس المشرقة بعد، فعلى سبيل المثال، لبس الكمّامة في أوربّا، أو في الشرق الأوسط – قبل كورونا كوفيد 19 – سيكون لافتًا للأنظار، فلِبس الكمّام عند الإصابة بالزُكام عادة ليست بمألوفة لدى هذه الشعوب، بل قد يظنون المتكمّم مريضٌ بمرض خطير، أو سارقٌ يواري وجهه، وما إلى ذلك، فعادات الشعوب وثقافاتها مُختلفة، ما يجعلُنا نتساءل: هل يتكمّم الناس بعد كورونا احترازًا من الزُكام العارِض كاليابانيين؟

 

 

كتابة: عبد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*